إجمالي مشاهدة المدونة

الخميس، 28 يوليو 2016

اللاجئ السويسري الوحيد وخيانة الوطن:

في احد ليالي شتاءعام 1997 كان المواطن السويسري كريستوف مايلي (Christoph Meili) يقوم بدورية أمنية داخل احدى مباني البنك المركزي السويسري (UBS) بمدينة زيورخ حيث كان يعمل كموظف حرس وحماية هناك. في تلك الليلة لاحظ حركة غير معتادة في احدى غرف المبنى فقرر ان يستطلع مايحدث في تلك الغرفة. بعد تحرى ومتابعة اكتشف ان البنك يقوم بأعدام مئات المستندات الهامه والخطيرة والتي تحتوي على الآف من اسماء زبائن المصرف من اليهود والذين تم قتلهم او موتهم اثناء الحرب العالمية الثانية والذين كانوا قد اودعوا اموالهم لدى المصرف السويسري هرباً من الحكومة النازية في المانيا والتي كانت تصادر كل الموالهم وممتلكاتهم (سواء كانت اصول نقدية او على شكل تحف ومجوهرات او حتى لوحات فنية باهضة الثمن) وقدرت تلك الاموال بأثنين ونصف مليار دولار "US$2,560,000,000" . الا ان اولائك الزبائن لم يراجعوا المصرف لمدة طويلة.
قام كريستوف بسرقة الكثير من تلك المستندات وقام بتسليمها للمجمع اليهودي السويسري والذي بدوره سلمها للمؤتمر اليهودي العالمي والمسمى World Jewish Congress (WJC)برئاسة Edgar Bronfman (نسيب باسط اقطيط) والذي بدورة قام برفع دعوى قضائية على البنك المركزي السويسري مطالبا فيها برد تلك الاصول الى ورثة اصحاب تلك الحسابات.
بدورة قام البنك المركزي السويسري بطرد كريستوف من العمل ورفع قضية خيانية عظمى ضده مما جعلة يقوم بالهرب الى الولايات المتحدة الامريكية حيث منح حق اللجوء السياسي هناك (وبذا يكون اللاجئ السويسري الوحيد). تولى المحامي الامريكي "اد فاقان" (Ed Fagan) قضية استرجاع تلك الاصول الى مستحقيها ووُعد كريستوف من قبل ذلك المحامي والمجمع الامريكي العالمي بمبلغ مليون دولار. بعد مباحثات كثيرة ومعقدة تم الاتفاق على استرجاع مبلغ مليار ونصف فقط (($1.25 billion اي نصف قيمة اجمالي الاصول. ويقال ان المجمع اليهودي العالمي تنازل عن باقي المبلغ مقابل سن قوانين لصالح اليهود في سويسرا مثل قانون معاداة السامية واعطاء الحق لليهود السويسريين في اقامة مدارس خاصة بهم معترف بها (وبذا لاتجد اي يهودي سويسري يدرس في المدارس الحكومية السويسرية).
الا ان كريستوف لم يحصل على اي مبلغ وُعد به وطلبت زوجته الطلاق وعادت مع ابنائها الى وطنها الام وخسر كريستوف وظيفتة واصبح مشرد بدون مأوى يهيم في الشوارع الامريكية.
اللاجئ السويسري الوحيد وخيانة الوطن
في احد ليالي شتاءعام 1997 كان المواطن السويسري كريستوف مايلي (Christoph Meili) يقوم بدورية أمنية داخل احدى مباني البنك المركزي السويسري (UBS) بمدينة زيورخ حيث كان يعمل كموظف حرس وحماية هناك. في تلك الليلة لاحظ حركة غير معتادة في احدى غرف المبنى فقرر ان يستطلع مايحدث في تلك الغرفة. بعد تحرى ومتابعة اكتشف ان البنك يقوم بأعدام مئات المستندات الهامه والخطيرة والتي تحتوي على الآف من اسماء زبائن المصرف من اليهود والذين تم قتلهم او موتهم اثناء الحرب العالمية الثانية والذين كانوا قد اودعوا اموالهم لدى المصرف السويسري هرباً من الحكومة النازية في المانيا والتي كانت تصادر كل الموالهم وممتلكاتهم (سواء كانت اصول نقدية او على شكل تحف ومجوهرات او حتى لوحات فنية باهضة الثمن) وقدرت تلك الاموال بأثنين ونصف مليار دولار "US$2,560,000,000" . الا ان اولائك الزبائن لم يراجعوا المصرف لمدة طويلة.
قام كريستوف بسرقة الكثير من تلك المستندات وقام بتسليمها للمجمع اليهودي السويسري والذي بدوره سلمها للمؤتمر اليهودي العالمي والمسمى World Jewish Congress (WJC)برئاسة Edgar Bronfman (صهر باسط اقطيط) والذي بدورة قام برفع دعوى قضائية على البنك المركزي السويسري مطالبا فيها برد تلك الاصول الى ورثة اصحاب تلك الحسابات.
بدورة قام البنك المركزي السويسري بطرد كريستوف من العمل ورفع قضية خيانية عظمى ضده مما جعلة يقوم بالهرب الى الولايات المتحدة الامريكية حيث منح حق اللجوء السياسي هناك (وبذا يكون اللاجئ السويسري الوحيد). تولى المحامي الامريكي "اد فاقان" (Ed Fagan) قضية استرجاع تلك الاصول الى مستحقيها ووُعد كريستوف من قبل ذلك المحامي والمجمع الامريكي العالمي بمبلغ مليون دولار. بعد مباحثات كثيرة ومعقدة تم الاتفاق على استرجاع مبلغ مليار ونصف فقط (($1.25 billion اي نصف قيمة اجمالي الاصول. ويقال ان المجمع اليهودي العالمي تنازل عن باقي المبلغ مقابل سن قوانين لصالح اليهود في سويسرا مثل قانون معاداة السامية واعطاء الحق لليهود السويسريين في اقامة مدارس خاصة بهم معترف بها (وبذا لاتجد اي يهودي سويسري يدرس في المدارس الحكومية السويسرية).
الا ان كريستوف لم يحصل على اي مبلغ وُعد به وطلبت زوجته الطلاق وعادت مع ابنائها الى وطنها الام وخسر كريستوف وظيفتة واصبح مشرد بدون مأوى يهيم في الشوارع الامريكية.
- لذا لاتخون الوطن لان العار اطول من العمر وسيرث ابنائك ذلك العار.
- لاتطمع في المال واجعل نظرك للمستقبل.
- لاتثق في اليهود واعداء الوطن فهم سيبيعونك بأرخص الاثمان.
- لااحد يحصل على اي شئ بسهولة فلابد من المقاتلة للحصول على حق.

الأربعاء، 27 يوليو 2016

بجانب يهودي على الطائرة

في احد ايام صيف امريكا الحارة كنت قافلاً من رحلة من مدينة واشنطن في اقصى الشرق الامريكي الى محل اقامتي بولاية اندينا في شمال الوسط حيث كنت ادرس. كان المطار مزدحم ويعج بالمسافرين والطوابير الملتوية وكأنها افاعي رقشاء انتشرت في المكان وذلك كعادتة في حالة الرحلات الداخلية في المطارات الامريكية حيث كنت تشاهد كل انواع البشر وكل انواع السحن والهيأة من اسود وابيض، عربي واسيوي، وفقير وغني. منهم من يلبس قبعة مع نظارات شمسية ومنهم من يلبس ملابس قصيرة جدا او ملابس مزركشة زاهية عليها صور نخيل وشواطئ بحار، تجد من يضحك فرحاً بأمرا ما وتجد اخر يبكي لفراق احبة. الطائرة التي اقلتنا كانت صغيرة وطويلة وبالكاد يسير المرء داخلها لذا كان الامر لايخلوا من اصطدام الرأس بأماكن وضع الحقائب في الاعلى، والتي لم اجد فيها مكان فارغ لحقيبتي الصغيرة مما اضطرني الى وضعها تحت رجلي وكذلك فعل الكثير الامر الذي زاد من عذاب الرحلة. كان الركاب يصطدمون ببعضهم البعض لضيق المكان لذا كان على المرء ان لايهتم اذا ماسمع في المحيط كلمات مثل "اوووه شت" ،"بوول شت" او حتى "دامن ات". ولحسن الحظ لدي حاسة شم سيئة جدا جعلتنى ان لا ابالي بأشياء اخرى. وجدت الكرسي المخصص لي حسب ماهو مكتوب على كرت الصعود بعد عناء طويل وكان كرسي صغير جداً من الجلد الذي بهت لونه من كثرة الجلوس عليه وبالكاد كان يوجد فراغ كاف للرجلين بين الجالس على ذلك الكرسي وبين الكرسي الذي امامه لذا تخالة خصص للاطفال وليس لشخص طويل مثلي.
حشرت نفسي داخل ذلك الكرسي بعد ان قمت بتحية الشخص الذي وجته جالسا على المقعد بجانبي وكان شاباً متوسط الطول وسيماً نوعا ما والذي بدوره نظر الي مبتسماً. تصادف ذلك مع مرور المضيفة الوحيدة على تلك الطائرة والتي كانت تجوب ذلك الممر الضيق مهرولة ذهابا وايابا وكأنها كانت تريد الهرب من شئ ما، على الرغم من انني لم ارها تؤدي اي خدمة او فائدة بهرولتها تلك. حاولت ان اوقفا لاطلب منها جرعة ماء ولاكنها لم تنظر الي وردت قائلة بوجه متجهم "ليس لدي وقت الان". حاولت بلع لعابي بعد ذلك الرد الا اني لم اجد في فمي منه الا القليل فجلست صامتاً يتصبب العرق من وجهي.
تحركت تلك الطائرة بعد طول انتظار متبختره على المهبط يهتز جناحيها وكأنها جميلة تهز عطفيها في مشيتها اختيالاً. لاكن شتان مابين تلك الخردة المسماه طائرة وتلك الجميلة، فتلك الطائرة كانت في الحقيقة اقرب لفصيلة حافلات ركاب (القنفود في مدينة طرابلس) منها لطائرة ركاب. الا ان فرحتى لم تدم طويلا بتحرك ذلك الجسم المعدني المسمى طائرة حيث توقفت من جديد بعد دقائق من تحركها على المهبط المخصص للاقلاع في انتظار دورها في الطيران. طال ذلك الانتظار مايزيد عن النصف ساعة وبمجرد ان اقلعت ونظرت من النافذة حتى عرفت سبب كل ذلك الانتظار فقد كان هناك طابورا طويلا اخر من امثال تلك الطائر ينتظر فيه كلا دوره للدخول على المهبط الرئيسي واخذ الاذن ببدأ الاقلاع. ما ان رفعت تلك الطائرة انفها عن الارض حتى اخرج جاري في المقعد قبعة صغيرة سوداء ووضعا على الجزء الخلفي من رأسة ثم اخرج كتيب صغير بدأ في القراءة فيه و تلاوة صلاواتة مترنحا للامام والخلف فعرفت بعدها ان جاري الشاب يهودي متدين يقوم بتلاوة ذكراً ما. انقبض صدري من هذا المنظر الا اني خجلت من نفسي حيث ذكرني ذلك اليهودي بأذكار السفر والتي كنت في الغالب ما انساها في اي رحلة الا اني عاهدت نفسي الا انساها بعد الان وبدأت بالفعل في تلاوة اذكار السفر لاكن في سري ولم اجرأ على البوح بها كما فعل ذلك اليهودي الشاب.
ما ان استقرت الطائرة في الهواء، حتى كان ذلك الشاب قد اكمل صلواته وبدأني بالسؤال عن بلدي الام، اجبته بشكل مقتضب الا انه اصر على مواصلة الحديث معي واثناء الحديث قال لي انه كان في دولة اثيوبيا لمهمة دعوية خاصة جدا. سألته عن نوع تلك المهمة الا انه تهرب من الاجابة. استمر الحيث الممل معة لدقائق لاحظت خلالها انه يريد ايصال رسالة معينة الي.
كانت تلك الرسالة عبارة عن سؤال سئلة لي الا وهو " انتم العرب دائماً تهتفون (خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود) قال ذل بلغة عربية مشوهة، اين هو جيش محمد الان". في الحقيقة توترت كثيرا من سؤالة ذلك ولم ادري ما اقول خاصتا اني ادرت وجهي يمنة ويسره فلمحت عدد من الركاب القريبين لنا ينظرون بطرف اعينهم الينا وينتظرون الرد وعلى وجوههم نظرات الشماتة مصاحبة بابتسامة صفراء ولربما مصاحبة ايضا باللاستعداد للانقضاض. كتمت غيظي ومعة خوفي وقلت له "انا لا اتحدث في هذه الامور". بمجرد ان اجبنه تلك الاجابة سكت وادار معه اولائك المتطفلين رؤوسهم ونظراتهم الشيطانية بعيدا.
لا ادري بعدها الى الان هل اراد ذلك الشخص الايقاع بي في مأزق مع الركاب وأمن الطائرة ام انه قال كلماته تلك من قبيل الشماتة والحقد الدفين على الاسلام؟ لاكن ما انا متيقن منه حقاً انه اعطاني درس في التمسك بديني وممارسة شعائرة وعدم التهاون في تركها مهما كانت الظروف على الرغم من المرارة التي شعرت بها بسبب الذل والهوان الذي وصلت اليه امة خير البرية ولاكن عندما اتذكر قوله تعالى "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا" يهون على الامر.


الثورة الفرنسية واثرها على ثورات الربيع العربي

تصادف هذه الايام (14 يوليو) ذكرى الثورة الفرنسية وبالتحديد أسقاط سجن الباستيل رمز القمع والظلم والفساد بالنسبة للفرنسيين. ولأهمية تلك الثورة واهمية مقارنتها بثورات الربيع العربي في العصر الحديث ولفهم الدور الفرنسى في دول ثورات الربيع العربي خاصتا دورها المتزايد والجدلي في ليبيا، نحتاج ان نفهم حقيقة الثورة الفرنسية والاسباب التي ادت الى انفجارها واثر ذلك على مسار الثورات العربية حيث من الممكن وجود تشابة في اوجه كثيرة بين تلك الثورة ومسار ثورات الربيع العربي مع الفارق في اسباب اندلاع الاولى والتي كانت مصطنعة وموجهة والثانية العفوية والتي ارادت  ارجاع الحقوق ورفع الظلم وسيطرة الطبقة الكادحة والفقيرة من الشعب (البروليتاريا) والتي لاتزال تنافح عن روح الثورة وتقاوم الروح الانقلابية في تلك البلدان.
 اندلعت الثورة الفرنسية في العام 1789 واستمرت مايقرب من العشر سنوات، اي حتى عام 1799، واثرت تأثيرا جذريا في العالم الغربي عموما واوروبا بشكل خاص فأدت الى تفجير صراعات مسلحة انتشرت من البحر الكاريبي الى الشرق الاوسط تماما كما هو الحال في ثورات الربيع العربي والتي انطلقت من تونس لتنتشر في باقي، او على الاقل في اغلب،  الدول العربية.
ويمكن اعتبار الثورة الفرنسية مثالا وانموذجا مهماً يمكن الانطلاق منه لفهم طبيعة الثورات وطريقة نشئتها وتطورها وطريقة التحكم بها وتوجيهها وكيفية المحافظة على مكاسبها. اذا ما استثنينا طريقة تفجير الثورة الفرنسية وطريقة الاعداد لها، والتي تمت من قبل مجموعة من الاقطاعيين والمرابين واليهود التنويريين وتحالف اولائك مع الفلاحين مع طبقة العمال الذين تم وعدهم باعطاء مجموعة من الحقوق والحريات  الى جانب الطبقة العاملة والمتوسطة للشعب الفرنسي، يمكن  تشبة الثورة الفرنسية بالثورات الحديثة في العالم العربي وبذا يمكننا الاستفادة من تلك الثورة في مواجهة الثورة المضادة للربيع العربي.
على الرغم من ان الثورة الفرنسية ادعت في بدايتها الرغبة في رفع الظلم وارجاع الحقوق وانشاء الجمهورية العلمانية الديمقراطية، الا ان ذلك الوعد كان لمجرد كسب الرأي العام ورجل الشارع  ولم يتحقق على ارض الواقع اذ انتهت بسيطرة البورجوازية والاقطاعية على زمام الامور وانتهت بعد اذ بحكم العسكر.
اذاً الفارق الاهم والابرز بين الثورتين هو التعمد والتخطيط للاسقاط حكم ملكي وراثي اٌدُعي بأنه فاسد ومستبد وغير عادل في الثورة الاولى في حين العشوائية النابعة عن الظلم والرغبة في التغيير الحقيقي من قبل الشعب في الثانية.
ولاكن علينا ان نسئل انفسنا ماهو وجه التشابة بين الثورة الفرنسية والثورة المضادة للربيع العربي؟
وجه التشابه حسب وجهة نظري يكمن في عدة اوجه منها، وهو الاهم، طريقة التخطيط والاعداد واستخدام الاعلام الموجه لشوية شريحة من الناس بعينها او طبقة من المجتمع ذات نفوذ وتأثير على ذلك المجتمع لازاحتها من المشهد السياسي والاقتصادي للدولة لتحل محلة وجوه اخرى تقوم بدور يخدم اناس بعينهم ايضا سواء دور سياسي او اقتصادي.
ولنبدأ بسرد ابعض الحقائق التى حدثت قبيل واثناء الثورة الفرنسية تتشابة الى حد كبير مع مايحدث في دول الربيع العربي الامر الذي يجعلنا نتيقن او على الاقل نتوقع ان يكون المُخطط  والراعي هو نفسه في كلى الحالتين.
قبل الثورة الفرنسية تم تعيين شخص يهودي اسباني الاصل من قبل اليعاقبة النورانيين يسمى " شودر دي لاكلوس" ليكون مسئولاً على ادارة املاك وقصور الاقطاعيين وكان معروفاً بمجونه وفسقة اضافة الى شخص اخر يسمى "كاغليوس جوزيف بالسامو" من باليرمو. قام الاثنان بتحويل احد القصور الى دار للطباعة للاستخدامها لاصدار المنشورات الثورية التي تهيج الناس وتسبب القلاقل وصاحب ذلك تنظيم  لجانة  اعلامية ثورية من المحرضين كانت مهمتها نشر الادب الثوري وبث روح التذمر والرغبة في الانتقام. كما كانت تعرض مسرحيات تم اخراجها لتبث ذلك الفكر في عقول الجماهير صاحب ذلك اجتماعات وحلقات نقاش مبرمجة كان الهدف منها، كما قلنا، اثارة مشاعر الناس  وزيادة معدل السخط على الملك والطبقة الحاكمة والتمهيد للثورة. اضافة الى كل ذلك تم تسخير العديد من الجواسيس والعيون الذين يقومون بنقل فضائح رجال الدولة وحاشية القصر وكانت تلك الفضائح تستخدم في التشهير بتلك الشخصيات المرموقة ومساومتها لتصبح اداه طيعة مسلوبة الارادة تنفذ كل ماتؤمر به وكل مايملى عليهم مستخدمين في ذلك الحفلات الماجنة والليالي الحمراء والتي كانت تتم في قصور الارستقراطيين التي تحولت بجانب المسارح والنوادي الرياضية الى دور للدعارة ونوادي للقمار وتعاطي الخمور المخدرات.
كان اهم رواد تلك الاماكن بطبيعة الحال هم زعماء الثورة الفرنسية المُنتظرين والذين تم اختيارهم بتوفر شروط معينه في شخصياتهم والذين تم اعدادهم لهذا الغرض بتعطيل ضمائرهم داخل ذلك الجو الموبوء والملئ بالشر والرذيلة بحيث تسلب ارادتهم ويسهل التحكم بهم ادارتهم فيما بعد.
تم تحذير القصر الملكي وبالتحديد للملكة ماري انطوانيت من ذلك المخطط الشرير لاكنها لم تلقى لهم بالا على الرغم ان حملة التشوية تلك وصلت اليها فتم اتهامها بأنها امرأة لعوب انساقت وراء الملذات واستهواها المرح. كما تم اتهامها بعلاقات غرامية كثيرة وبخيانتها لزوجها وحيك حولها القصص المثيرة والخرافات.
الا انه في الواقع لم تكن تلك الصورة الا انطباع تم صنعة من داخل دور الطباعة ومن قبل الاعلاميين الثوريين الذين جاء بهم "شودر دي لاكلوس" و "كاغليوس جوزيف بالسامو" وقد اثبت كثير من المؤرخين ان تلك الروايات ماهي الا اكاذيب تم تلفيقها واصبحت بكل اسف من صلب التاريخ وكانت الصورة القذرة هي ماجعل رقبة ماري انطوانيت تقع تحت المقصلة.
ومن اهم الوسائل المهمة التي استعملها هؤلاء المرابون (ويعرف القارئ من هم المرابون) هي ايقاع الحكومة الفرنسية في العجز المالي بقرضها الاموال التي لم تستخدم للبناء والتشيد بل استُخدمت للسرف والتبذير من قبل المتنفذين الفاسدين. فكانوا بذلك كمن يعطي باليد اليمنى ويأخذ باليد اليسرى الاضعاف وتتالت بذلك القروض التي يعقبها الحصول على حقوق وامتيازات مقابل ضمان الوفاء بسداد تلك الديون. وبتكرار الامر اصبحت الحكومة الفرنسية مكبلة بجبال من الديون الى الدرجة التي اصبح فيها الامر ان يفرض فيها المرابون شروط اتفاقيات القروض وفرض اسماء وشخصيات بعينها داخل الحكومة مدعين ان تلك الشخصيات ستتمكن من انتشال الحكومة من ازمتها المالية، لاكن الامر كان عكس ذلك، فتلك الشخصيات هي التي اسهمت في توريط الحكومة الفرنسية في مزيد من الديون رافق كل ذلك تدريب وتنظيم زعماء الثورة مثل روبسبير ودانتون.
كما تم التخطيط لاطلاق سراح المجرمين والمجانين من السجون والمصحات النفسية ليعملوا الذبح والتقتيل والاغتصاب العلني لاثارة البلبة والرعب بعد اندلاع الثورة. صاحب كل ذلك اللقاء القبض على الضباط والفرسان والشخصيات المهمة الموالية للقصر ليتم اعدامها فيما بعد. ويقول المؤرخون انه تم قتل مايزيد عن 8000 شخص في باريس وحدها في ماسمى بالمجزرة الكبرى اضافة الى اغتصاب ممتلكات واراضي الاغنياء والاقطاعيين من قبل الفلاحين في الارياف والقرى. وبجملة "فلنسفك مزيداً من الدماء" كان يستهل مدبري تلك الثورة كل يوم جديد مطالبين بمزيد من الدماء الامر الذي كان يتم بأمر من عرابي تلك الثورة مثل "روبسبير" والذي استخدم كلمات مشابهة لما نسمعة اليوم في خطاباتة امام الجمعية العمومية حيث شن فيه هجوماً عنيفاً على ماسماهم (الارهابيين والمتطرفين) الا ان روبيسبير تم التخلص منه ايضا فيما بعد من قبل اليعاقبة.
بعدما اشيعت الفوضى المصاحبة بالقتل والاغتصاب والنهب اصبح حلم الفرنسيين هو أن يتولى بعض الجنرالات الأكفاء مثل "ماسين" أو "مورو" او "بونابرت" زمام الامور في باريس ويطيح بالسياسيين ويمنح فرنسا الانضباط والأمان حتى لو كان هذا على حساب الحرية. لكون الفرنسيون قد وصلوا إلى نتيجة مؤداها أنه لا يقدرعلى إنهاء فوضى الثورة وفرض النظام في فرنسا وإحلال الأمن بها مما هو ضروري لحياة متحضرة سوى حكومة مركزية يقودها زعيم واحد قوي متمتع بالصلاحيات اللازمة. استغل العسكر ذلك الامر بقيادة نابليون الذي سيطر على زمام الامور بانقلاب عسكري وذلك تحت مسمى الرغبة في استباب الامن وفرض الاستقرار الا انه انقلب لاحقا على مبادئ الثورة وألغى مجلس الإداريين وعين نفسه “القنصل الأول” على فرنسا وكانت تلك بداية نهاية الثورة الفرنسية وبداية عصر نابليون الذي بدأ في السيطرة على اوروبا وكانت تلك بداية اول حكم عسكري والتي بدأت معها مرحلة جديده من الاستبداد والظلم وانتهى الامر بتصدير الأزمة من خلال الإستعمار بالتوسع المحموم لللأمبراطورية الفرنسية مبشراً بعهد جديد انطلقت فيه سلسلة حروب نابليون والتي كان الهدف منها السيطرة على العالم.
وبنجاح مخطط الثورة الفرنسية وانقلاب نابليون العسكري على مقاليد الحكم والسيطرة على فرنسا، او لنقل على اوروبا بأسرها، استفاد العالم الغربي من تلك الثورة الامر الذي ساعد على تبلور نظريات جديده متعلقة بسيكولوجية الشعوب أو نفسية الشعوب والأعراق البشرية لدى علماء النفس الغربيين مثل الفرنسي "غوستاف لوبون" وحان الوقت معها لاختبار فاعلية تلك الخبرات العملية بأختبارات تجريبية نفسية على ارض الواقع. فلا نكاد نجد منطقة في العالم الا واستخدمت فيها تلك الاستراتيجية لصالح الدول الاستعمارية بدئاً بأول واقصر انقلاب عسكري في العصر الحديث بقيادة حسني الزعيم وبرعاية امريكية (ومن الممكن اعتبار انقلاب حسني الزعيم اول محاولة انقلابية امريكة ناجحة بعد تسلمها زمام الامور من بريطانيا في المنطقة)، ومروراً بأنقلاب جمال عبد الناصر (بتوجية امريكي ايضاً) والذي تلاه انقلاب القذافي في ليبيا و بأنقلاب موريتانيا بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز عام 2008 والانقلاب العسكري في تايلاند عام 2014
وانتهائاً بأنقلابات العصر الحديث مثل انقلاب السيسي في مصر ومحاولة انقلاب حفتر في ليبيا، والتي لاتزال مستمرة في الى كتابة هذه الاسطر، والمحاولة الفاشلة في تركيا. ناهيك عن الانقلابات العسكرية في افريقيا والتي تحتاج الى صفحات لسردها.
انقلابات عسكرية الهدف منها اصبح واضح للعيان ومصدرها لم يعد يخفى على ذي بصيرة.