إجمالي مشاهدة المدونة

الأربعاء، 27 يوليو 2016

بجانب يهودي على الطائرة

في احد ايام صيف امريكا الحارة كنت قافلاً من رحلة من مدينة واشنطن في اقصى الشرق الامريكي الى محل اقامتي بولاية اندينا في شمال الوسط حيث كنت ادرس. كان المطار مزدحم ويعج بالمسافرين والطوابير الملتوية وكأنها افاعي رقشاء انتشرت في المكان وذلك كعادتة في حالة الرحلات الداخلية في المطارات الامريكية حيث كنت تشاهد كل انواع البشر وكل انواع السحن والهيأة من اسود وابيض، عربي واسيوي، وفقير وغني. منهم من يلبس قبعة مع نظارات شمسية ومنهم من يلبس ملابس قصيرة جدا او ملابس مزركشة زاهية عليها صور نخيل وشواطئ بحار، تجد من يضحك فرحاً بأمرا ما وتجد اخر يبكي لفراق احبة. الطائرة التي اقلتنا كانت صغيرة وطويلة وبالكاد يسير المرء داخلها لذا كان الامر لايخلوا من اصطدام الرأس بأماكن وضع الحقائب في الاعلى، والتي لم اجد فيها مكان فارغ لحقيبتي الصغيرة مما اضطرني الى وضعها تحت رجلي وكذلك فعل الكثير الامر الذي زاد من عذاب الرحلة. كان الركاب يصطدمون ببعضهم البعض لضيق المكان لذا كان على المرء ان لايهتم اذا ماسمع في المحيط كلمات مثل "اوووه شت" ،"بوول شت" او حتى "دامن ات". ولحسن الحظ لدي حاسة شم سيئة جدا جعلتنى ان لا ابالي بأشياء اخرى. وجدت الكرسي المخصص لي حسب ماهو مكتوب على كرت الصعود بعد عناء طويل وكان كرسي صغير جداً من الجلد الذي بهت لونه من كثرة الجلوس عليه وبالكاد كان يوجد فراغ كاف للرجلين بين الجالس على ذلك الكرسي وبين الكرسي الذي امامه لذا تخالة خصص للاطفال وليس لشخص طويل مثلي.
حشرت نفسي داخل ذلك الكرسي بعد ان قمت بتحية الشخص الذي وجته جالسا على المقعد بجانبي وكان شاباً متوسط الطول وسيماً نوعا ما والذي بدوره نظر الي مبتسماً. تصادف ذلك مع مرور المضيفة الوحيدة على تلك الطائرة والتي كانت تجوب ذلك الممر الضيق مهرولة ذهابا وايابا وكأنها كانت تريد الهرب من شئ ما، على الرغم من انني لم ارها تؤدي اي خدمة او فائدة بهرولتها تلك. حاولت ان اوقفا لاطلب منها جرعة ماء ولاكنها لم تنظر الي وردت قائلة بوجه متجهم "ليس لدي وقت الان". حاولت بلع لعابي بعد ذلك الرد الا اني لم اجد في فمي منه الا القليل فجلست صامتاً يتصبب العرق من وجهي.
تحركت تلك الطائرة بعد طول انتظار متبختره على المهبط يهتز جناحيها وكأنها جميلة تهز عطفيها في مشيتها اختيالاً. لاكن شتان مابين تلك الخردة المسماه طائرة وتلك الجميلة، فتلك الطائرة كانت في الحقيقة اقرب لفصيلة حافلات ركاب (القنفود في مدينة طرابلس) منها لطائرة ركاب. الا ان فرحتى لم تدم طويلا بتحرك ذلك الجسم المعدني المسمى طائرة حيث توقفت من جديد بعد دقائق من تحركها على المهبط المخصص للاقلاع في انتظار دورها في الطيران. طال ذلك الانتظار مايزيد عن النصف ساعة وبمجرد ان اقلعت ونظرت من النافذة حتى عرفت سبب كل ذلك الانتظار فقد كان هناك طابورا طويلا اخر من امثال تلك الطائر ينتظر فيه كلا دوره للدخول على المهبط الرئيسي واخذ الاذن ببدأ الاقلاع. ما ان رفعت تلك الطائرة انفها عن الارض حتى اخرج جاري في المقعد قبعة صغيرة سوداء ووضعا على الجزء الخلفي من رأسة ثم اخرج كتيب صغير بدأ في القراءة فيه و تلاوة صلاواتة مترنحا للامام والخلف فعرفت بعدها ان جاري الشاب يهودي متدين يقوم بتلاوة ذكراً ما. انقبض صدري من هذا المنظر الا اني خجلت من نفسي حيث ذكرني ذلك اليهودي بأذكار السفر والتي كنت في الغالب ما انساها في اي رحلة الا اني عاهدت نفسي الا انساها بعد الان وبدأت بالفعل في تلاوة اذكار السفر لاكن في سري ولم اجرأ على البوح بها كما فعل ذلك اليهودي الشاب.
ما ان استقرت الطائرة في الهواء، حتى كان ذلك الشاب قد اكمل صلواته وبدأني بالسؤال عن بلدي الام، اجبته بشكل مقتضب الا انه اصر على مواصلة الحديث معي واثناء الحديث قال لي انه كان في دولة اثيوبيا لمهمة دعوية خاصة جدا. سألته عن نوع تلك المهمة الا انه تهرب من الاجابة. استمر الحيث الممل معة لدقائق لاحظت خلالها انه يريد ايصال رسالة معينة الي.
كانت تلك الرسالة عبارة عن سؤال سئلة لي الا وهو " انتم العرب دائماً تهتفون (خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود) قال ذل بلغة عربية مشوهة، اين هو جيش محمد الان". في الحقيقة توترت كثيرا من سؤالة ذلك ولم ادري ما اقول خاصتا اني ادرت وجهي يمنة ويسره فلمحت عدد من الركاب القريبين لنا ينظرون بطرف اعينهم الينا وينتظرون الرد وعلى وجوههم نظرات الشماتة مصاحبة بابتسامة صفراء ولربما مصاحبة ايضا باللاستعداد للانقضاض. كتمت غيظي ومعة خوفي وقلت له "انا لا اتحدث في هذه الامور". بمجرد ان اجبنه تلك الاجابة سكت وادار معه اولائك المتطفلين رؤوسهم ونظراتهم الشيطانية بعيدا.
لا ادري بعدها الى الان هل اراد ذلك الشخص الايقاع بي في مأزق مع الركاب وأمن الطائرة ام انه قال كلماته تلك من قبيل الشماتة والحقد الدفين على الاسلام؟ لاكن ما انا متيقن منه حقاً انه اعطاني درس في التمسك بديني وممارسة شعائرة وعدم التهاون في تركها مهما كانت الظروف على الرغم من المرارة التي شعرت بها بسبب الذل والهوان الذي وصلت اليه امة خير البرية ولاكن عندما اتذكر قوله تعالى "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا" يهون على الامر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق