إجمالي مشاهدة المدونة

السبت، 20 يونيو 2015

من رواية الحياة وانا (الجزء الثاني):

يتبع داخل الحي (الجزء الثاني):


وجوده فأصبح الانيس والرفيق لكل افراد الاسرة سواء كانت تلك الاسرة تعيش في الحضر او المدر. انتشر ذلك الدخيل ليعلو اسطح المنازل وتعج به المدن لتصبح وكأنها قواعد ارضية لمراقبة الفضاء الخارجي في انتظار القادمين من السماء. هذا الجهاز اللعين جعل اسطورة المرآة السحرية حقيقة فيمكن للمرء ان يرى ويراقب الاحداث عن بعد مئات الاميال بل يمكنه ايضا ان يرى الماضي ويستشرف المستقبل. تلك المرآة السحرية التي جلبت معها ثقافات غريبة علينا تسللت الى مجتمعاتنا كما تتسلل الافعى الى جحر فريستها  او كما يدس السم في العسل وذلك من خلال المسلسلات وبرامج الواقع والستار اكادمي. تداعت على مجتمعاتنا المسلمة المحافظة المسلسلات المدبلجة من مختلف اسقاع الارض, فهاذا مسلسل ارجنتيني وذاك برازيلي اوتركي بل واسُتورد لنا حتى الصيني والروسي. في الحقيقة لم اشاهد ولا واحد من تلك المسلسلات على الاطلاق الا ما اعرفة انها لاتحمل اي شئ جيد في طيات حلقاتها الطويلة الى حد الملل.
لازلت اذكر ذلك اليوم الذي اشترى لنا فيه ابي اول جهاز تلفزيون بل ولازلت اذكر حتى شكله. في ذلك الوقت كانت لاتزال هناك قناة وحيدة تبث برامجها البسيطة باللونين الابيض والاسود ولاتبدأ في عرض برامجها الا بعد الرابعة او الخامسة مسائا وتنهي بثها على مايقرب الواحدة ليلاً مبتدئه بالنشيد الوطني ثم ماتيسر من القرآن الكريم يعقبهما برامج الاطفال ثم تختم بمسلسل السهرة ثم بشكل عكسي..القرآن الكريم ثم النشيد الوطني ثم توضع تلك الدرائرة ذات الالوان الكثيرة والغريبه.
لكم غمرتنا سعادة عارمة بحلول ذلك الجهاز زائر دائم في بيتنا الدافئ  فكان ذلك الجهاز ذوشكل مربع اسود اللون يخلوا من اي اشكال الجمال ولاكننا لم نلاحظ ذلك بل بدى لنا وكأنها آلة الزمن اتت لتنقلنا من عالمنا الصغير الى عالم اكبر فسيح يشبع طموحنا واحلامنا الطفولية او لربما ألة اتت من كوكب اخر اكبر واكثر تطورا من عالمنا، كان صندوق الدنيا ذلك له مقبض من اعلى لحمله ونقله من مكان لاخر الا اننا كنا لا نجرأ حتى على لمسه وتشغيله ولا ادري فيما اذا كان ذلك خوفا منه او خوفا عليه. كان اولاد الحي يجتمعون على نافذة بيتنا في ايام الصيف لمشاهدة مايتسنى لهم من برامج الاطفال او لعلهم بالاحرى كانوا يتمتعون بمشاهدة ذلك الجهاز العجيب. لكم كنا نتلهف ان تختفي تلك الدائرة الكبيرة والتي كانت بالابيض والاسود قبل ان يتحول البث الى بث ملون بعد سنوات فكانت تلك الدائرة تحتوي على اللوان كثيرة كألوان قوس قزح توضع على الشاشة قبل البدأ في البرنامج اليومي والمصحوبة بطنين يصم الاذان والتي الى الان لم افهم المغزي منها وبوضعها على الشاشة قبل الافتتاح فكنا نستعجل اختفاء تلك الدائرة المزعجة لنبدأ في الاستمتاع بالرسوم المتحركة وبرامج الاطفال.
 كان لذلك الجهاز هوائيان على سطحة الاعلى بجانب المقبض يجب سحبهما الى الاعلى وتحريكهما في اتجاهات مختلفة لتوضيح الصورة قليلا. كما كان له مفتاحان دائريان يحرك الاكبر منهما لماشاهد تلك القناة الوحيده باختيار الرقم المناسب لتلك القناة من ثم يدار المفتاح  السفلى والاصغر لتوضيح الصورة وازالة النقاط الدقيقة السوداء المزعجة والتي قد تتكاثر بكثافة في وقت معين لتمنع الاستمتاع  بمشاهدة البرنامج  المفضل او لازالة خطوط التشويش الدقيقة والتي تروح يمنة ويسرة على الشاشة السميكة والمحدبة قليلا للخارج. ولكم دهشنا لاحقاً عندما قام احد الاقارب بشراء جهاز تلفاز من النوع (اكاي) مغلف بأطار او صندوق خشبي له باب يمكن سحبه ليغلق شاشة ذلك التلفاز.
لم تمض فترة طويلة الا وقام ابي بتركيب هوائي استقبال كبير الحجم من نوع (ويزي) على سطح المنزل لتوضيح صورة تلك القناة المحلية الوحيدة الا انه كان علينا تحريك ذلك الهوائي يدويا بين الفينة والاخرى الامر الذي كان يساعد على استقبال بعض قنوات الدول المجاورة في ايام الصيف الجميلة وتحت ضروف جوية مناسبة. منها القناة التونسية والتي من اشهر برامجها في تلك الفترة برنامج (ام تراكي ناس ملاح) والذي لم نكن نفهم منه اي كلمة او عن ما يدور محتواه لاكنه على اي حال كان ينقلنا الى خارج عالمنا الصغير والمغلق.اضافة الى تلك القناة التونسية الوحيده، كان بامكان ذلك الهوائي اللعين ان يستقبل بعض القنوات اليونانية والايطالية والتي جعلتنا نتطلع على العالم ونشاهد مايحدث فيه ولو بشكل محدود. برغم ذلك لم يكن للتلفاز او تلك القنوات تأثير يذكر ولم يكن يسيطر على عقول الناس كما هو الحال الان.
كنا كأولاد نجتمع لنلعب في الحي و حولة العاب اغلبها ذو طابع اجتماعي حسب الموسم فتارة يكون موسم العربات الخشبية ذات الاربع عجلات من بقايا عجلات الدرجات المعدنية وبدون اطارات مطاطية. تلك العربات كان البعض يتفنن ويبدع في صنعها واتقانها الا انه كان على احدنا ان يجد من يدفعه اثناء ركوبها باحثين عن الشوارع المنحدره لتجعلنا نسير بسرعة عالية بدون مساعدة او دفع. على الرغم من بساطة وسذاجة  تلك العربات الخشبية الا انها كانت بالنسبة لنا تمثل قمة المتعة وامتلاكها كأمتلاك شئ ثمين وركوبها كاركوب سيارة فاخرة او حصان اصيل نتباها ونحن نمتطيها متجولين في شوارع الحي.
يتبع......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق