إجمالي مشاهدة المدونة

الخميس، 28 يوليو 2016

اللاجئ السويسري الوحيد وخيانة الوطن:

في احد ليالي شتاءعام 1997 كان المواطن السويسري كريستوف مايلي (Christoph Meili) يقوم بدورية أمنية داخل احدى مباني البنك المركزي السويسري (UBS) بمدينة زيورخ حيث كان يعمل كموظف حرس وحماية هناك. في تلك الليلة لاحظ حركة غير معتادة في احدى غرف المبنى فقرر ان يستطلع مايحدث في تلك الغرفة. بعد تحرى ومتابعة اكتشف ان البنك يقوم بأعدام مئات المستندات الهامه والخطيرة والتي تحتوي على الآف من اسماء زبائن المصرف من اليهود والذين تم قتلهم او موتهم اثناء الحرب العالمية الثانية والذين كانوا قد اودعوا اموالهم لدى المصرف السويسري هرباً من الحكومة النازية في المانيا والتي كانت تصادر كل الموالهم وممتلكاتهم (سواء كانت اصول نقدية او على شكل تحف ومجوهرات او حتى لوحات فنية باهضة الثمن) وقدرت تلك الاموال بأثنين ونصف مليار دولار "US$2,560,000,000" . الا ان اولائك الزبائن لم يراجعوا المصرف لمدة طويلة.
قام كريستوف بسرقة الكثير من تلك المستندات وقام بتسليمها للمجمع اليهودي السويسري والذي بدوره سلمها للمؤتمر اليهودي العالمي والمسمى World Jewish Congress (WJC)برئاسة Edgar Bronfman (نسيب باسط اقطيط) والذي بدورة قام برفع دعوى قضائية على البنك المركزي السويسري مطالبا فيها برد تلك الاصول الى ورثة اصحاب تلك الحسابات.
بدورة قام البنك المركزي السويسري بطرد كريستوف من العمل ورفع قضية خيانية عظمى ضده مما جعلة يقوم بالهرب الى الولايات المتحدة الامريكية حيث منح حق اللجوء السياسي هناك (وبذا يكون اللاجئ السويسري الوحيد). تولى المحامي الامريكي "اد فاقان" (Ed Fagan) قضية استرجاع تلك الاصول الى مستحقيها ووُعد كريستوف من قبل ذلك المحامي والمجمع الامريكي العالمي بمبلغ مليون دولار. بعد مباحثات كثيرة ومعقدة تم الاتفاق على استرجاع مبلغ مليار ونصف فقط (($1.25 billion اي نصف قيمة اجمالي الاصول. ويقال ان المجمع اليهودي العالمي تنازل عن باقي المبلغ مقابل سن قوانين لصالح اليهود في سويسرا مثل قانون معاداة السامية واعطاء الحق لليهود السويسريين في اقامة مدارس خاصة بهم معترف بها (وبذا لاتجد اي يهودي سويسري يدرس في المدارس الحكومية السويسرية).
الا ان كريستوف لم يحصل على اي مبلغ وُعد به وطلبت زوجته الطلاق وعادت مع ابنائها الى وطنها الام وخسر كريستوف وظيفتة واصبح مشرد بدون مأوى يهيم في الشوارع الامريكية.
اللاجئ السويسري الوحيد وخيانة الوطن
في احد ليالي شتاءعام 1997 كان المواطن السويسري كريستوف مايلي (Christoph Meili) يقوم بدورية أمنية داخل احدى مباني البنك المركزي السويسري (UBS) بمدينة زيورخ حيث كان يعمل كموظف حرس وحماية هناك. في تلك الليلة لاحظ حركة غير معتادة في احدى غرف المبنى فقرر ان يستطلع مايحدث في تلك الغرفة. بعد تحرى ومتابعة اكتشف ان البنك يقوم بأعدام مئات المستندات الهامه والخطيرة والتي تحتوي على الآف من اسماء زبائن المصرف من اليهود والذين تم قتلهم او موتهم اثناء الحرب العالمية الثانية والذين كانوا قد اودعوا اموالهم لدى المصرف السويسري هرباً من الحكومة النازية في المانيا والتي كانت تصادر كل الموالهم وممتلكاتهم (سواء كانت اصول نقدية او على شكل تحف ومجوهرات او حتى لوحات فنية باهضة الثمن) وقدرت تلك الاموال بأثنين ونصف مليار دولار "US$2,560,000,000" . الا ان اولائك الزبائن لم يراجعوا المصرف لمدة طويلة.
قام كريستوف بسرقة الكثير من تلك المستندات وقام بتسليمها للمجمع اليهودي السويسري والذي بدوره سلمها للمؤتمر اليهودي العالمي والمسمى World Jewish Congress (WJC)برئاسة Edgar Bronfman (صهر باسط اقطيط) والذي بدورة قام برفع دعوى قضائية على البنك المركزي السويسري مطالبا فيها برد تلك الاصول الى ورثة اصحاب تلك الحسابات.
بدورة قام البنك المركزي السويسري بطرد كريستوف من العمل ورفع قضية خيانية عظمى ضده مما جعلة يقوم بالهرب الى الولايات المتحدة الامريكية حيث منح حق اللجوء السياسي هناك (وبذا يكون اللاجئ السويسري الوحيد). تولى المحامي الامريكي "اد فاقان" (Ed Fagan) قضية استرجاع تلك الاصول الى مستحقيها ووُعد كريستوف من قبل ذلك المحامي والمجمع الامريكي العالمي بمبلغ مليون دولار. بعد مباحثات كثيرة ومعقدة تم الاتفاق على استرجاع مبلغ مليار ونصف فقط (($1.25 billion اي نصف قيمة اجمالي الاصول. ويقال ان المجمع اليهودي العالمي تنازل عن باقي المبلغ مقابل سن قوانين لصالح اليهود في سويسرا مثل قانون معاداة السامية واعطاء الحق لليهود السويسريين في اقامة مدارس خاصة بهم معترف بها (وبذا لاتجد اي يهودي سويسري يدرس في المدارس الحكومية السويسرية).
الا ان كريستوف لم يحصل على اي مبلغ وُعد به وطلبت زوجته الطلاق وعادت مع ابنائها الى وطنها الام وخسر كريستوف وظيفتة واصبح مشرد بدون مأوى يهيم في الشوارع الامريكية.
- لذا لاتخون الوطن لان العار اطول من العمر وسيرث ابنائك ذلك العار.
- لاتطمع في المال واجعل نظرك للمستقبل.
- لاتثق في اليهود واعداء الوطن فهم سيبيعونك بأرخص الاثمان.
- لااحد يحصل على اي شئ بسهولة فلابد من المقاتلة للحصول على حق.

الأربعاء، 27 يوليو 2016

بجانب يهودي على الطائرة

في احد ايام صيف امريكا الحارة كنت قافلاً من رحلة من مدينة واشنطن في اقصى الشرق الامريكي الى محل اقامتي بولاية اندينا في شمال الوسط حيث كنت ادرس. كان المطار مزدحم ويعج بالمسافرين والطوابير الملتوية وكأنها افاعي رقشاء انتشرت في المكان وذلك كعادتة في حالة الرحلات الداخلية في المطارات الامريكية حيث كنت تشاهد كل انواع البشر وكل انواع السحن والهيأة من اسود وابيض، عربي واسيوي، وفقير وغني. منهم من يلبس قبعة مع نظارات شمسية ومنهم من يلبس ملابس قصيرة جدا او ملابس مزركشة زاهية عليها صور نخيل وشواطئ بحار، تجد من يضحك فرحاً بأمرا ما وتجد اخر يبكي لفراق احبة. الطائرة التي اقلتنا كانت صغيرة وطويلة وبالكاد يسير المرء داخلها لذا كان الامر لايخلوا من اصطدام الرأس بأماكن وضع الحقائب في الاعلى، والتي لم اجد فيها مكان فارغ لحقيبتي الصغيرة مما اضطرني الى وضعها تحت رجلي وكذلك فعل الكثير الامر الذي زاد من عذاب الرحلة. كان الركاب يصطدمون ببعضهم البعض لضيق المكان لذا كان على المرء ان لايهتم اذا ماسمع في المحيط كلمات مثل "اوووه شت" ،"بوول شت" او حتى "دامن ات". ولحسن الحظ لدي حاسة شم سيئة جدا جعلتنى ان لا ابالي بأشياء اخرى. وجدت الكرسي المخصص لي حسب ماهو مكتوب على كرت الصعود بعد عناء طويل وكان كرسي صغير جداً من الجلد الذي بهت لونه من كثرة الجلوس عليه وبالكاد كان يوجد فراغ كاف للرجلين بين الجالس على ذلك الكرسي وبين الكرسي الذي امامه لذا تخالة خصص للاطفال وليس لشخص طويل مثلي.
حشرت نفسي داخل ذلك الكرسي بعد ان قمت بتحية الشخص الذي وجته جالسا على المقعد بجانبي وكان شاباً متوسط الطول وسيماً نوعا ما والذي بدوره نظر الي مبتسماً. تصادف ذلك مع مرور المضيفة الوحيدة على تلك الطائرة والتي كانت تجوب ذلك الممر الضيق مهرولة ذهابا وايابا وكأنها كانت تريد الهرب من شئ ما، على الرغم من انني لم ارها تؤدي اي خدمة او فائدة بهرولتها تلك. حاولت ان اوقفا لاطلب منها جرعة ماء ولاكنها لم تنظر الي وردت قائلة بوجه متجهم "ليس لدي وقت الان". حاولت بلع لعابي بعد ذلك الرد الا اني لم اجد في فمي منه الا القليل فجلست صامتاً يتصبب العرق من وجهي.
تحركت تلك الطائرة بعد طول انتظار متبختره على المهبط يهتز جناحيها وكأنها جميلة تهز عطفيها في مشيتها اختيالاً. لاكن شتان مابين تلك الخردة المسماه طائرة وتلك الجميلة، فتلك الطائرة كانت في الحقيقة اقرب لفصيلة حافلات ركاب (القنفود في مدينة طرابلس) منها لطائرة ركاب. الا ان فرحتى لم تدم طويلا بتحرك ذلك الجسم المعدني المسمى طائرة حيث توقفت من جديد بعد دقائق من تحركها على المهبط المخصص للاقلاع في انتظار دورها في الطيران. طال ذلك الانتظار مايزيد عن النصف ساعة وبمجرد ان اقلعت ونظرت من النافذة حتى عرفت سبب كل ذلك الانتظار فقد كان هناك طابورا طويلا اخر من امثال تلك الطائر ينتظر فيه كلا دوره للدخول على المهبط الرئيسي واخذ الاذن ببدأ الاقلاع. ما ان رفعت تلك الطائرة انفها عن الارض حتى اخرج جاري في المقعد قبعة صغيرة سوداء ووضعا على الجزء الخلفي من رأسة ثم اخرج كتيب صغير بدأ في القراءة فيه و تلاوة صلاواتة مترنحا للامام والخلف فعرفت بعدها ان جاري الشاب يهودي متدين يقوم بتلاوة ذكراً ما. انقبض صدري من هذا المنظر الا اني خجلت من نفسي حيث ذكرني ذلك اليهودي بأذكار السفر والتي كنت في الغالب ما انساها في اي رحلة الا اني عاهدت نفسي الا انساها بعد الان وبدأت بالفعل في تلاوة اذكار السفر لاكن في سري ولم اجرأ على البوح بها كما فعل ذلك اليهودي الشاب.
ما ان استقرت الطائرة في الهواء، حتى كان ذلك الشاب قد اكمل صلواته وبدأني بالسؤال عن بلدي الام، اجبته بشكل مقتضب الا انه اصر على مواصلة الحديث معي واثناء الحديث قال لي انه كان في دولة اثيوبيا لمهمة دعوية خاصة جدا. سألته عن نوع تلك المهمة الا انه تهرب من الاجابة. استمر الحيث الممل معة لدقائق لاحظت خلالها انه يريد ايصال رسالة معينة الي.
كانت تلك الرسالة عبارة عن سؤال سئلة لي الا وهو " انتم العرب دائماً تهتفون (خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود) قال ذل بلغة عربية مشوهة، اين هو جيش محمد الان". في الحقيقة توترت كثيرا من سؤالة ذلك ولم ادري ما اقول خاصتا اني ادرت وجهي يمنة ويسره فلمحت عدد من الركاب القريبين لنا ينظرون بطرف اعينهم الينا وينتظرون الرد وعلى وجوههم نظرات الشماتة مصاحبة بابتسامة صفراء ولربما مصاحبة ايضا باللاستعداد للانقضاض. كتمت غيظي ومعة خوفي وقلت له "انا لا اتحدث في هذه الامور". بمجرد ان اجبنه تلك الاجابة سكت وادار معه اولائك المتطفلين رؤوسهم ونظراتهم الشيطانية بعيدا.
لا ادري بعدها الى الان هل اراد ذلك الشخص الايقاع بي في مأزق مع الركاب وأمن الطائرة ام انه قال كلماته تلك من قبيل الشماتة والحقد الدفين على الاسلام؟ لاكن ما انا متيقن منه حقاً انه اعطاني درس في التمسك بديني وممارسة شعائرة وعدم التهاون في تركها مهما كانت الظروف على الرغم من المرارة التي شعرت بها بسبب الذل والهوان الذي وصلت اليه امة خير البرية ولاكن عندما اتذكر قوله تعالى "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا" يهون على الامر.


الثورة الفرنسية واثرها على ثورات الربيع العربي

تصادف هذه الايام (14 يوليو) ذكرى الثورة الفرنسية وبالتحديد أسقاط سجن الباستيل رمز القمع والظلم والفساد بالنسبة للفرنسيين. ولأهمية تلك الثورة واهمية مقارنتها بثورات الربيع العربي في العصر الحديث ولفهم الدور الفرنسى في دول ثورات الربيع العربي خاصتا دورها المتزايد والجدلي في ليبيا، نحتاج ان نفهم حقيقة الثورة الفرنسية والاسباب التي ادت الى انفجارها واثر ذلك على مسار الثورات العربية حيث من الممكن وجود تشابة في اوجه كثيرة بين تلك الثورة ومسار ثورات الربيع العربي مع الفارق في اسباب اندلاع الاولى والتي كانت مصطنعة وموجهة والثانية العفوية والتي ارادت  ارجاع الحقوق ورفع الظلم وسيطرة الطبقة الكادحة والفقيرة من الشعب (البروليتاريا) والتي لاتزال تنافح عن روح الثورة وتقاوم الروح الانقلابية في تلك البلدان.
 اندلعت الثورة الفرنسية في العام 1789 واستمرت مايقرب من العشر سنوات، اي حتى عام 1799، واثرت تأثيرا جذريا في العالم الغربي عموما واوروبا بشكل خاص فأدت الى تفجير صراعات مسلحة انتشرت من البحر الكاريبي الى الشرق الاوسط تماما كما هو الحال في ثورات الربيع العربي والتي انطلقت من تونس لتنتشر في باقي، او على الاقل في اغلب،  الدول العربية.
ويمكن اعتبار الثورة الفرنسية مثالا وانموذجا مهماً يمكن الانطلاق منه لفهم طبيعة الثورات وطريقة نشئتها وتطورها وطريقة التحكم بها وتوجيهها وكيفية المحافظة على مكاسبها. اذا ما استثنينا طريقة تفجير الثورة الفرنسية وطريقة الاعداد لها، والتي تمت من قبل مجموعة من الاقطاعيين والمرابين واليهود التنويريين وتحالف اولائك مع الفلاحين مع طبقة العمال الذين تم وعدهم باعطاء مجموعة من الحقوق والحريات  الى جانب الطبقة العاملة والمتوسطة للشعب الفرنسي، يمكن  تشبة الثورة الفرنسية بالثورات الحديثة في العالم العربي وبذا يمكننا الاستفادة من تلك الثورة في مواجهة الثورة المضادة للربيع العربي.
على الرغم من ان الثورة الفرنسية ادعت في بدايتها الرغبة في رفع الظلم وارجاع الحقوق وانشاء الجمهورية العلمانية الديمقراطية، الا ان ذلك الوعد كان لمجرد كسب الرأي العام ورجل الشارع  ولم يتحقق على ارض الواقع اذ انتهت بسيطرة البورجوازية والاقطاعية على زمام الامور وانتهت بعد اذ بحكم العسكر.
اذاً الفارق الاهم والابرز بين الثورتين هو التعمد والتخطيط للاسقاط حكم ملكي وراثي اٌدُعي بأنه فاسد ومستبد وغير عادل في الثورة الاولى في حين العشوائية النابعة عن الظلم والرغبة في التغيير الحقيقي من قبل الشعب في الثانية.
ولاكن علينا ان نسئل انفسنا ماهو وجه التشابة بين الثورة الفرنسية والثورة المضادة للربيع العربي؟
وجه التشابه حسب وجهة نظري يكمن في عدة اوجه منها، وهو الاهم، طريقة التخطيط والاعداد واستخدام الاعلام الموجه لشوية شريحة من الناس بعينها او طبقة من المجتمع ذات نفوذ وتأثير على ذلك المجتمع لازاحتها من المشهد السياسي والاقتصادي للدولة لتحل محلة وجوه اخرى تقوم بدور يخدم اناس بعينهم ايضا سواء دور سياسي او اقتصادي.
ولنبدأ بسرد ابعض الحقائق التى حدثت قبيل واثناء الثورة الفرنسية تتشابة الى حد كبير مع مايحدث في دول الربيع العربي الامر الذي يجعلنا نتيقن او على الاقل نتوقع ان يكون المُخطط  والراعي هو نفسه في كلى الحالتين.
قبل الثورة الفرنسية تم تعيين شخص يهودي اسباني الاصل من قبل اليعاقبة النورانيين يسمى " شودر دي لاكلوس" ليكون مسئولاً على ادارة املاك وقصور الاقطاعيين وكان معروفاً بمجونه وفسقة اضافة الى شخص اخر يسمى "كاغليوس جوزيف بالسامو" من باليرمو. قام الاثنان بتحويل احد القصور الى دار للطباعة للاستخدامها لاصدار المنشورات الثورية التي تهيج الناس وتسبب القلاقل وصاحب ذلك تنظيم  لجانة  اعلامية ثورية من المحرضين كانت مهمتها نشر الادب الثوري وبث روح التذمر والرغبة في الانتقام. كما كانت تعرض مسرحيات تم اخراجها لتبث ذلك الفكر في عقول الجماهير صاحب ذلك اجتماعات وحلقات نقاش مبرمجة كان الهدف منها، كما قلنا، اثارة مشاعر الناس  وزيادة معدل السخط على الملك والطبقة الحاكمة والتمهيد للثورة. اضافة الى كل ذلك تم تسخير العديد من الجواسيس والعيون الذين يقومون بنقل فضائح رجال الدولة وحاشية القصر وكانت تلك الفضائح تستخدم في التشهير بتلك الشخصيات المرموقة ومساومتها لتصبح اداه طيعة مسلوبة الارادة تنفذ كل ماتؤمر به وكل مايملى عليهم مستخدمين في ذلك الحفلات الماجنة والليالي الحمراء والتي كانت تتم في قصور الارستقراطيين التي تحولت بجانب المسارح والنوادي الرياضية الى دور للدعارة ونوادي للقمار وتعاطي الخمور المخدرات.
كان اهم رواد تلك الاماكن بطبيعة الحال هم زعماء الثورة الفرنسية المُنتظرين والذين تم اختيارهم بتوفر شروط معينه في شخصياتهم والذين تم اعدادهم لهذا الغرض بتعطيل ضمائرهم داخل ذلك الجو الموبوء والملئ بالشر والرذيلة بحيث تسلب ارادتهم ويسهل التحكم بهم ادارتهم فيما بعد.
تم تحذير القصر الملكي وبالتحديد للملكة ماري انطوانيت من ذلك المخطط الشرير لاكنها لم تلقى لهم بالا على الرغم ان حملة التشوية تلك وصلت اليها فتم اتهامها بأنها امرأة لعوب انساقت وراء الملذات واستهواها المرح. كما تم اتهامها بعلاقات غرامية كثيرة وبخيانتها لزوجها وحيك حولها القصص المثيرة والخرافات.
الا انه في الواقع لم تكن تلك الصورة الا انطباع تم صنعة من داخل دور الطباعة ومن قبل الاعلاميين الثوريين الذين جاء بهم "شودر دي لاكلوس" و "كاغليوس جوزيف بالسامو" وقد اثبت كثير من المؤرخين ان تلك الروايات ماهي الا اكاذيب تم تلفيقها واصبحت بكل اسف من صلب التاريخ وكانت الصورة القذرة هي ماجعل رقبة ماري انطوانيت تقع تحت المقصلة.
ومن اهم الوسائل المهمة التي استعملها هؤلاء المرابون (ويعرف القارئ من هم المرابون) هي ايقاع الحكومة الفرنسية في العجز المالي بقرضها الاموال التي لم تستخدم للبناء والتشيد بل استُخدمت للسرف والتبذير من قبل المتنفذين الفاسدين. فكانوا بذلك كمن يعطي باليد اليمنى ويأخذ باليد اليسرى الاضعاف وتتالت بذلك القروض التي يعقبها الحصول على حقوق وامتيازات مقابل ضمان الوفاء بسداد تلك الديون. وبتكرار الامر اصبحت الحكومة الفرنسية مكبلة بجبال من الديون الى الدرجة التي اصبح فيها الامر ان يفرض فيها المرابون شروط اتفاقيات القروض وفرض اسماء وشخصيات بعينها داخل الحكومة مدعين ان تلك الشخصيات ستتمكن من انتشال الحكومة من ازمتها المالية، لاكن الامر كان عكس ذلك، فتلك الشخصيات هي التي اسهمت في توريط الحكومة الفرنسية في مزيد من الديون رافق كل ذلك تدريب وتنظيم زعماء الثورة مثل روبسبير ودانتون.
كما تم التخطيط لاطلاق سراح المجرمين والمجانين من السجون والمصحات النفسية ليعملوا الذبح والتقتيل والاغتصاب العلني لاثارة البلبة والرعب بعد اندلاع الثورة. صاحب كل ذلك اللقاء القبض على الضباط والفرسان والشخصيات المهمة الموالية للقصر ليتم اعدامها فيما بعد. ويقول المؤرخون انه تم قتل مايزيد عن 8000 شخص في باريس وحدها في ماسمى بالمجزرة الكبرى اضافة الى اغتصاب ممتلكات واراضي الاغنياء والاقطاعيين من قبل الفلاحين في الارياف والقرى. وبجملة "فلنسفك مزيداً من الدماء" كان يستهل مدبري تلك الثورة كل يوم جديد مطالبين بمزيد من الدماء الامر الذي كان يتم بأمر من عرابي تلك الثورة مثل "روبسبير" والذي استخدم كلمات مشابهة لما نسمعة اليوم في خطاباتة امام الجمعية العمومية حيث شن فيه هجوماً عنيفاً على ماسماهم (الارهابيين والمتطرفين) الا ان روبيسبير تم التخلص منه ايضا فيما بعد من قبل اليعاقبة.
بعدما اشيعت الفوضى المصاحبة بالقتل والاغتصاب والنهب اصبح حلم الفرنسيين هو أن يتولى بعض الجنرالات الأكفاء مثل "ماسين" أو "مورو" او "بونابرت" زمام الامور في باريس ويطيح بالسياسيين ويمنح فرنسا الانضباط والأمان حتى لو كان هذا على حساب الحرية. لكون الفرنسيون قد وصلوا إلى نتيجة مؤداها أنه لا يقدرعلى إنهاء فوضى الثورة وفرض النظام في فرنسا وإحلال الأمن بها مما هو ضروري لحياة متحضرة سوى حكومة مركزية يقودها زعيم واحد قوي متمتع بالصلاحيات اللازمة. استغل العسكر ذلك الامر بقيادة نابليون الذي سيطر على زمام الامور بانقلاب عسكري وذلك تحت مسمى الرغبة في استباب الامن وفرض الاستقرار الا انه انقلب لاحقا على مبادئ الثورة وألغى مجلس الإداريين وعين نفسه “القنصل الأول” على فرنسا وكانت تلك بداية نهاية الثورة الفرنسية وبداية عصر نابليون الذي بدأ في السيطرة على اوروبا وكانت تلك بداية اول حكم عسكري والتي بدأت معها مرحلة جديده من الاستبداد والظلم وانتهى الامر بتصدير الأزمة من خلال الإستعمار بالتوسع المحموم لللأمبراطورية الفرنسية مبشراً بعهد جديد انطلقت فيه سلسلة حروب نابليون والتي كان الهدف منها السيطرة على العالم.
وبنجاح مخطط الثورة الفرنسية وانقلاب نابليون العسكري على مقاليد الحكم والسيطرة على فرنسا، او لنقل على اوروبا بأسرها، استفاد العالم الغربي من تلك الثورة الامر الذي ساعد على تبلور نظريات جديده متعلقة بسيكولوجية الشعوب أو نفسية الشعوب والأعراق البشرية لدى علماء النفس الغربيين مثل الفرنسي "غوستاف لوبون" وحان الوقت معها لاختبار فاعلية تلك الخبرات العملية بأختبارات تجريبية نفسية على ارض الواقع. فلا نكاد نجد منطقة في العالم الا واستخدمت فيها تلك الاستراتيجية لصالح الدول الاستعمارية بدئاً بأول واقصر انقلاب عسكري في العصر الحديث بقيادة حسني الزعيم وبرعاية امريكية (ومن الممكن اعتبار انقلاب حسني الزعيم اول محاولة انقلابية امريكة ناجحة بعد تسلمها زمام الامور من بريطانيا في المنطقة)، ومروراً بأنقلاب جمال عبد الناصر (بتوجية امريكي ايضاً) والذي تلاه انقلاب القذافي في ليبيا و بأنقلاب موريتانيا بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز عام 2008 والانقلاب العسكري في تايلاند عام 2014
وانتهائاً بأنقلابات العصر الحديث مثل انقلاب السيسي في مصر ومحاولة انقلاب حفتر في ليبيا، والتي لاتزال مستمرة في الى كتابة هذه الاسطر، والمحاولة الفاشلة في تركيا. ناهيك عن الانقلابات العسكرية في افريقيا والتي تحتاج الى صفحات لسردها.
انقلابات عسكرية الهدف منها اصبح واضح للعيان ومصدرها لم يعد يخفى على ذي بصيرة.

الأحد، 21 يونيو 2015

من رواية الحياة وانا (الجزء الثالث)

يتبع داخل الحي:



وتارة اخرى يكون موسم الدراجات الهوائية والتي لم يكن في استطاعة اياً كان ان يقتنيها او يمتلكها لارتفاع سعرها. فياله من يوم ذلك الذي اوفى ابي فيه بوعده لي بشراء دراجة حقيقية بعجلتين ومعشق سرعات وذات كرسي فاخر ذو مسند معدني طويل، وذلك بعد النجاح بتفوق في احدى سنوات المرحلة الاعدادية. بسبب تلك الدراجة كنت استعجل انقضاء الليل والاستيقاض للخروج واللعب بها فكنت استيقظ مرات عديده من النوم ظناً مني ان النهار قد حل لاقودها واتجول بها في شوارع الحي باحثا عن متسابق لأريه مهارتي وقدرة دراجتي الجديده والتي كنت اهتم بها ايما اهتمام. كنا نحاول جذب اهتمام فتيات الحي اللاتي كن يقفن في نوافذهن او يلعبن ببرائة امام بيوتهن بحركات بهلوانية تجعلهن يضحكن. كنا نعتقد، في ذلك الوقت، انهن اعجبن بنا وانهن بكل تأكيد سيقعن في حب الاكثر مهارة.  كنت اعتنى بدراجتي تلك بشكل كبير فكنت اقوم بتزيينها وتنظيفها وكأنها سيارة ستقوم بزف عروسان في شوارع المدينة. علقت على مقبضها اشرطة مطاطية ملونه تتدلى للاسفل تتحرك بحركة الدراجة ملفته الانظار بالوانها الزاهية, كما ركبت على ذلك المقود جهاز معدني صغير لماع يعمل بالبطارية اشتريته بعد توفير بعض الدراهم لاسابيع عديده. ذلك الجهاز كان مصنع ليصدر اصواتاٌ بنغمات مختلفه مشابه لصوت سيارة الاسعاف او انذار سيارة الشرطة او بوق السيارة حتى. اما العجلات فقمت بتزينها بغطاء مطاطي يمنع تناثر المياة المتراكمة على الطرق في فصل الشتاء فكان ذلك الغطاء له شرائح ملونه تتدلى ايضاً خلف العجلات. كنا نلتقي بعد انتهاء اليوم الدراسي واتمام الواجبات المدرسية لنقوم بتلك الاستعراضات وكلاً له طريقته في ذلك, فهذا يقود دراجته على العجلة الخلفية ورافعا الامامية للاعلى لتسير بذلك لمسافة تصل الى عشرات الامتار, وذلك يتباهي بقدرته على قيادة دراجته على ممر ضيق بالكاد يتسع لمرور عجلات الدراجة دون ان يسقط او يحيد عن ذلك الممر.
كان على كل منا ان ينتمى الى مجموعة من الاصدقاء داخل الحي لتكون هي حاضنتة وحصنة فيؤدي حقوقها وتساعده عند الحاجة ويخرج معها خارج محيط الحي اذ لم يكن بوسع احدنا ان ينتقل من حي الى اخر او الذهاب الي السوق مثلا بدون تلك المجموعة والا تعرض للضرب والنهب من قبل اولاد الاحياء الاخرى على الطريق. كانت وكأنها عصابات يحتكر كل منها منطقته ولاتسمح لاياً كان الدخول اليها بل ويصل الامر احيان ان تقوم احد مجموعات الحي بالتجمع والاغارة على الاحياء المجاورة مستخدمين في ذلك الحجارة والالواح الخشبية للتخويف وبالتالي هزيمتها وسلب ماتيسر من ادوات اللعب المستخدمة لدى تلك المجموعة من ثم تسجل هزيمة يؤرخ بها بين الاحياء.
كنا نذهب الى بين الفينة والفينة الى دار السينما التي كنت ذات مبنى ضخم كبيرلايبعد كثيرا عن الحي ويمكن رؤيته بالعين من حينا. الا انه كان يتعين علينا الذهاب في مجموعات خوفاً من عمليات السطو من ابناء الاحياء المجاورة خاصتاً ان كنا نحمل، بكل تأكيد، ثمن التذكرة والذي لايتعدي بضع قروش لاكنها كانت قيمة كبيرة بالنسبة لنا في ذلك الوقت.
كانت الافلام التي نفضلها عدة انواع. الاول، هي افلام الغرب الامريكي او مايعرف (بالكاوبوي) والتي كانت الاكثر اثارة وتأثيراً على المشاهد انذاك. فكان الجميع يتفاعل مع احداث الفلم بالتصفيق والتصفير تارة عند قدوم البطل في الوقت المناسب وفي اللحظات الاخيرة لمنع ظلم قارب على الحدوث اولانقاذ شخص اشرف افراد العصابة المجرمون على قتله فيقف الحضوراجلالا لهذا البطل المغوار القادم على فرس مدربه  لتطيع صاحبها بمجرد ان يصفر لها في مشهد مصحوب بموسيقى تصويريه وبنغمة تتناسب ووقع حوافر ذلك الحصان. وتارةً اخرى يتفاعل الجمهور مع مجريات واحداث الفلم برمى الشاشة بسدادات زجاجات المشروبات الغازية او حتى بما يتيسر من قطع نقدية نكايتاً في زعيم العصابة. اما البعض، ولشدة اندماجهم، يقفون من حين لاخرمانعين الرؤيا عن الجالسين على الكراسي الخلفية معربين عن اعتراضهم الشديد لحدث معين بالصراخ والعويل او مهددين زعيم العصابة واعوانه بالويل والثبور محاولين بذلك منع المجرمين من اقتراف جريمة في حق الابرياء. و لم يكن لأولئك الجالسين خلفهم الا محاولة تهدئتهم ليتمكنوا من مواصلة المشاهدة والاستمتاع بمتابعة الفلم المثير.
النوع الثاني من الافلام المحببه لدينا وكانت تتسبب في ازدحام شديد على شباك التذاكر عند عرضها، هي الافلام الهندية والتي كانت لطولها تعرض على فترة واحده (او جولة كما كانت تسمى) بعكس باقي انواع الافلام والتي كانت تعرض على جولتين متتاليتين الاولى من بعد العصر الى قبيل المغرب والثانية من بعد المغرب الى وقت متأخر.


السبت، 20 يونيو 2015

من رواية الحياة وانا (الجزء الثاني):

يتبع داخل الحي (الجزء الثاني):


وجوده فأصبح الانيس والرفيق لكل افراد الاسرة سواء كانت تلك الاسرة تعيش في الحضر او المدر. انتشر ذلك الدخيل ليعلو اسطح المنازل وتعج به المدن لتصبح وكأنها قواعد ارضية لمراقبة الفضاء الخارجي في انتظار القادمين من السماء. هذا الجهاز اللعين جعل اسطورة المرآة السحرية حقيقة فيمكن للمرء ان يرى ويراقب الاحداث عن بعد مئات الاميال بل يمكنه ايضا ان يرى الماضي ويستشرف المستقبل. تلك المرآة السحرية التي جلبت معها ثقافات غريبة علينا تسللت الى مجتمعاتنا كما تتسلل الافعى الى جحر فريستها  او كما يدس السم في العسل وذلك من خلال المسلسلات وبرامج الواقع والستار اكادمي. تداعت على مجتمعاتنا المسلمة المحافظة المسلسلات المدبلجة من مختلف اسقاع الارض, فهاذا مسلسل ارجنتيني وذاك برازيلي اوتركي بل واسُتورد لنا حتى الصيني والروسي. في الحقيقة لم اشاهد ولا واحد من تلك المسلسلات على الاطلاق الا ما اعرفة انها لاتحمل اي شئ جيد في طيات حلقاتها الطويلة الى حد الملل.
لازلت اذكر ذلك اليوم الذي اشترى لنا فيه ابي اول جهاز تلفزيون بل ولازلت اذكر حتى شكله. في ذلك الوقت كانت لاتزال هناك قناة وحيدة تبث برامجها البسيطة باللونين الابيض والاسود ولاتبدأ في عرض برامجها الا بعد الرابعة او الخامسة مسائا وتنهي بثها على مايقرب الواحدة ليلاً مبتدئه بالنشيد الوطني ثم ماتيسر من القرآن الكريم يعقبهما برامج الاطفال ثم تختم بمسلسل السهرة ثم بشكل عكسي..القرآن الكريم ثم النشيد الوطني ثم توضع تلك الدرائرة ذات الالوان الكثيرة والغريبه.
لكم غمرتنا سعادة عارمة بحلول ذلك الجهاز زائر دائم في بيتنا الدافئ  فكان ذلك الجهاز ذوشكل مربع اسود اللون يخلوا من اي اشكال الجمال ولاكننا لم نلاحظ ذلك بل بدى لنا وكأنها آلة الزمن اتت لتنقلنا من عالمنا الصغير الى عالم اكبر فسيح يشبع طموحنا واحلامنا الطفولية او لربما ألة اتت من كوكب اخر اكبر واكثر تطورا من عالمنا، كان صندوق الدنيا ذلك له مقبض من اعلى لحمله ونقله من مكان لاخر الا اننا كنا لا نجرأ حتى على لمسه وتشغيله ولا ادري فيما اذا كان ذلك خوفا منه او خوفا عليه. كان اولاد الحي يجتمعون على نافذة بيتنا في ايام الصيف لمشاهدة مايتسنى لهم من برامج الاطفال او لعلهم بالاحرى كانوا يتمتعون بمشاهدة ذلك الجهاز العجيب. لكم كنا نتلهف ان تختفي تلك الدائرة الكبيرة والتي كانت بالابيض والاسود قبل ان يتحول البث الى بث ملون بعد سنوات فكانت تلك الدائرة تحتوي على اللوان كثيرة كألوان قوس قزح توضع على الشاشة قبل البدأ في البرنامج اليومي والمصحوبة بطنين يصم الاذان والتي الى الان لم افهم المغزي منها وبوضعها على الشاشة قبل الافتتاح فكنا نستعجل اختفاء تلك الدائرة المزعجة لنبدأ في الاستمتاع بالرسوم المتحركة وبرامج الاطفال.
 كان لذلك الجهاز هوائيان على سطحة الاعلى بجانب المقبض يجب سحبهما الى الاعلى وتحريكهما في اتجاهات مختلفة لتوضيح الصورة قليلا. كما كان له مفتاحان دائريان يحرك الاكبر منهما لماشاهد تلك القناة الوحيده باختيار الرقم المناسب لتلك القناة من ثم يدار المفتاح  السفلى والاصغر لتوضيح الصورة وازالة النقاط الدقيقة السوداء المزعجة والتي قد تتكاثر بكثافة في وقت معين لتمنع الاستمتاع  بمشاهدة البرنامج  المفضل او لازالة خطوط التشويش الدقيقة والتي تروح يمنة ويسرة على الشاشة السميكة والمحدبة قليلا للخارج. ولكم دهشنا لاحقاً عندما قام احد الاقارب بشراء جهاز تلفاز من النوع (اكاي) مغلف بأطار او صندوق خشبي له باب يمكن سحبه ليغلق شاشة ذلك التلفاز.
لم تمض فترة طويلة الا وقام ابي بتركيب هوائي استقبال كبير الحجم من نوع (ويزي) على سطح المنزل لتوضيح صورة تلك القناة المحلية الوحيدة الا انه كان علينا تحريك ذلك الهوائي يدويا بين الفينة والاخرى الامر الذي كان يساعد على استقبال بعض قنوات الدول المجاورة في ايام الصيف الجميلة وتحت ضروف جوية مناسبة. منها القناة التونسية والتي من اشهر برامجها في تلك الفترة برنامج (ام تراكي ناس ملاح) والذي لم نكن نفهم منه اي كلمة او عن ما يدور محتواه لاكنه على اي حال كان ينقلنا الى خارج عالمنا الصغير والمغلق.اضافة الى تلك القناة التونسية الوحيده، كان بامكان ذلك الهوائي اللعين ان يستقبل بعض القنوات اليونانية والايطالية والتي جعلتنا نتطلع على العالم ونشاهد مايحدث فيه ولو بشكل محدود. برغم ذلك لم يكن للتلفاز او تلك القنوات تأثير يذكر ولم يكن يسيطر على عقول الناس كما هو الحال الان.
كنا كأولاد نجتمع لنلعب في الحي و حولة العاب اغلبها ذو طابع اجتماعي حسب الموسم فتارة يكون موسم العربات الخشبية ذات الاربع عجلات من بقايا عجلات الدرجات المعدنية وبدون اطارات مطاطية. تلك العربات كان البعض يتفنن ويبدع في صنعها واتقانها الا انه كان على احدنا ان يجد من يدفعه اثناء ركوبها باحثين عن الشوارع المنحدره لتجعلنا نسير بسرعة عالية بدون مساعدة او دفع. على الرغم من بساطة وسذاجة  تلك العربات الخشبية الا انها كانت بالنسبة لنا تمثل قمة المتعة وامتلاكها كأمتلاك شئ ثمين وركوبها كاركوب سيارة فاخرة او حصان اصيل نتباها ونحن نمتطيها متجولين في شوارع الحي.
يتبع......

الجمعة، 19 يونيو 2015

من رواية الحياة وانا (الجزء الاول)


داخل الحي:

كعادتي كنت خارجاً من البيت عصر احد ايام الصيف الحاره بعد ان انخفضت حرارة الجو قليلا وهبت نسمة هواء شمالية جعلت منه يوماً مثاليا للعب مع اقران الحي الذي بدأ صوتهم يصل الى مسمعي داخل المنزل فكان اللعب هو شغلنا الشاغل في عطلة الصيف الطويلة والتي تمتد الى مايقرب عن الثلاث اشهر متواصلة في تلك المرحلة من الدراسة الابتدائية. ما ان وصلت الى باب منزلنا الخارجي حتى سمعت ابي يناديني, والذي كان غالبا مايغفو القيلولة في ذلك الوقت وفي تلك الحجرة الخارجية لبرودتها في الصيف دون باقي الحجر, وقد اختلط صوته بصوت المذياع الذي عدل على محطة (البي بي سي) الاخبارية وكانت ساعة (بج بن) قد بدأت في قرع اجراسها معلنه عن دخول الساعة الرابعة بعد الظهر وعن بدأ نشرة الرابعة والتي بدأها مذيع البي بي سي (جميل عازر) محيياً مستمعية بصوته الاجش. بالكاد سمعت صوت ابي قائلا "اريدك اليوم معي لاتذهب بعيداً". وقبل ان يكمل جملته ويواصل حديثة تجمدت في مكاني ولم احرك ساكنا للحظات بدت لي كأنها الدهر وقد شخصت عيناي للاعلى وجمدت رجلاي في مكانهما وبدأت في تصور ماسيكون عليه الحال بعد بضع ساعات لكوني اعتدت على مثل هذا الطلب: سأحرم من اللعب كامل المساء ولربما الى منتصف الليل وسأبقى بجانب والدي واصحابة لمساعدتهم في اصلاح سيارتنا القديمة, ستتسخ يداي بالزيوت والشحوم التي تلوث الادوات الخاصة بعملية الاصلاح, قد اعاقب اذا ماطُلب مني احضار مفتاح ذو رقم معين واخطات في جلبه او لم اجد اداة ما وقلت انها غير موجودة في حين انها كانت امام عيني وفي متناول يدي, وسيسخر اصدقاء ابي نتيجة لذلك وسيسألون ابي قائلين "ماخطب ابنك لا يرى الاشياء امامه, اذهب به الى الطبيب", سيمزح اصدقاء ابي معي مزاحهم الثقيل والذي لا افهمة ولا احبة والذي يجعل الدموع تكاد تنهمر من عيني امامهم فأمنعها بصعوبة مدعيا ان شيئ من الاتربة او الحشرات قد دخل بها. قلت في نفسي "ياله من يوم ويالني من سئ الطالع, لماذا لا اكون مثل اقراني في الحي لا يطلب ابائهم منهم المساعدة؟ لماذا انا دائما سئ الحظ". ثواني معدودة ووصل صوت ابي الى مسمعي مكملاً كلامه كما توقعت تماماً قائلاً "اصدقائي اليوم قادمون لمساعدتي في اصلاح السيارة وستكون بجانبي لمد يد العون ولجلب الشاي والطعام من المنزل". الا انه لم يكن لي من بد من الرد عليه عليه قائلا "نعم حاضر, سأكون في الجوار".
كنت طفلا صغيرا حالما نشأ في اسرة متوسطة الحال لديه طموح واحلام اكبر من عمره وتفوق قدراته بكثير. كنت ولا ازال متيقن ان الحياة حلم يعيشه كلاً بشكل مختلف وعلى طريقته فلا طعم للحياة بدون احلام ولا مذاق لها بدون طموح وان "الحلم ليس بحياة ولاكن الحياة حلم". كان ابي رجل طويل القامة ممتلئ الجسم ذو فكاهة ولسان ناقد لاذع يخشى سطوته الاقارب لشدة نقده لهم ومحاولاته المتواصلة لنصحهم واصلاحهم خاصتا اولائك الذين لايجيدون الا الكلام والنوم ليس لديهم الا التسكع بين البيوت, فكان ينهرهم ويحثهم على النشاط والعمل والبحث عن مستقبلهم. الا اني كنت في احيانا كثيرة اخجل من نقده وتوبيخه لهم بل كنت اتمنى ان لا اكون موجودا في كثير من المواقف واقول له في نفسي  “ارجوك ابي كف عن هذا اني اشعر بالخجل منك“  ولعل ذلك يرجع الى طبعي المسالم اذ كنت ولا ازال لا احب ان أوذي او اُهين احد ولعلي اشبه في ذلك امي العزيزه والتي كانت في طبعها وشحصيتها عكس ابي تماما. كانت امي قليلة الكلام هادئة الطبع طيبة المعشر مسالمة وديعة مثل القطة, لاتعادي ولا تعتدي على احد وقل ما تتجاذب اطراف الحديث مع النسوه في المناسبات التي تحضرها الا ماندر, الا انها كانت ربة بيت من الطراز الرفيع تولي ببيتها وابنائها اهتماما كبيرا تجيد الطبخ بمهارة منقطعة النظير تهتم بالنظافة ايما اهتمام الامر الذي جعلني لا استصيغ اي طعام طُبخ بغير يديها فكنت نادرا مااستصيغ الاكل خارج البيت الامر الذي يظنه البعض نوع من التعالي والتأفف او حتى تكبر. فكنت ارى اي طعام اُعد خارج البيت سيشوبه حتما شئ من عدم النظافة وانعدام المذاق. ولربما كلاً يقول ماقوله ويحس بما احس به تجاه والدتي, لاكني اجزم ان امي كانت شئ اخر ولطعامها مذاق خاص. الا اني والحق يقال لم اشعر اني وفيتها حقها في ذلك الوقت فلم تكن في نظر ذلك الطفل الا مصدر للطعام الجيد والاكل اللذيذ وفي احيانا كثيرة ملجأ من العقوبات اوحضن دافئ لافراغ الدموع والشكوى.
الا اني بعد ان غادرتنا الى رب السموات والارض عرفت قدرها وافتقدت حنانها وعلمت مدى حبها لنا وتضحتها في سبيلنا. بعد وفاة امي انفرط عقد الاسرة ولم يعد احد يهتم بالاخر كما السابق واصبحت الاسرة كالبيت الذي لاباب له ليحمية من دخول الريح البارد.
 برغم ان ابي كان رجل امي لا يجيد القرائة والا الكتابة, الا انه كان حاد الذكاء يجيد العمليات الحسابية دون مساعدة او استخدام اي اداة الامر الذي مكنه لاحقا من مزاولة التجارة بمهارة بعد اقناعة بترك عملة المرهق الذي انهك صحتة, كما كان يجيد مختلف الاعمال الحرفية واليدوية فتارة يقوم بأصلاح الاعطال التي تطرأ على اي آلة في البيت وتارة يصلح اعطال سياراتنا البيجو موديل 404 (الحمامة) بيضاء اللون والمصنعة في سبعينات القرن الماضي والتي كان اصلاحها هوايته المفضلة فلا اعلم ايهما كان المحبب اليه اكثر هل العمل اليدوي والميكانيكا اللتان يتقنهما ام حبه لتلك المركبة وعشقه لها. عملية الاصلاح والصيانة كانت هواية وعمل شبه يومي لابي وزملائه فكانوا يجتمعون على عملية الاصلاح تلك وكأنهم يجتمعون على وليمة يلبون دعوتها فرحين. وبالفعل كانت تأتيهم موائد الطعام بين الفينة والفينة عليها مالذ وطاب من الاطعمة المطهاه بيدي امي تتبعها كؤس الشاي والمرطبات بمخلتف اللوانها وانواعها. بل ويصل الامر الى ان عدد منهم يشترط للحضور والمساعدة ان يُجهز ذلك النوع من الخبز او تلك النوعية من الكعك او حتى الفطائر.
اما انا,وكأي طفل في سني, كان الامر بالنسبة لي عباره عن كابوس مزعج لانه كان لزاما على ان اقوم بدور المساعد لوالدي واصدقائة, فاقوم  بخدمتهم وجلب الموائد من داخل المنزل وارجاعها للداخل اضافة الى الزامي البقاء بجوارهم  ومساعدتهم  بمدهم بالادوات والمفاتيح الازمة للصيانة والتي بطبيعة الحال كانت متسخة بالشحوم والزيوت نتيجة استخدامها المستمر والتي تبدأ بالتبعثر على الارض بمرور الوقت وبدأ العمل بها فكان على البحث عن اي مفتاح يطلبونه وايجادة بسرعة والا علا الصراخ وبدأ التوبيخ وكنت كثيرا ما اسمع تلك الجملة من اصدقاء ابي قائلين له "مابال ابنك يامحمد دائم التفكير وكثير السرحان والاحلام". كانت عملية الاصلاح تتم في اي وقت من اوقات السنة وتحت اي احوال جوية وتستمر من عدة ساعات الى عدة ايام خاصتاً اذا كان الامر يتعلق بعملية اصلاح او صيانة كبيرة وشاملة لمحرك السيارة.
كم كنت اكرة تلك الاداة المسماة "الاسبكش" وهي عبارة عن مصباح يستخدم للانارة اثتاء عملية الاصلاح ويمكن ادخالة تحت السيارة او الاماكن الضيقة وله وصلة كهربائية طويلة للاتصال بالكهرباء عن بعد ومن داخل المنزل في حالتنا, يغلفها غلاف معدني مشبك من جهة ومن جهة اخري مغلف بالكامل لحماية المصباح الكهربائي, يتصل به خطاف من اعلى لتعليقة في اي مكان كما مقبض بلاستيكي به زر الاشعال". كان على ان اقوم بحمل ذلك الاسبكشن والانتقال من مكان الى مكان ومن زاوية الى زاوية متبعا في ذلك توجيهات من يقوم بالاصلاح اسفل السيارة او داخل المحرك. : "انر هنا", "ادخل الاسبكشن قليلا للداخل فلم اعد ارى", " اقلب وجة الاسبكشن للداخل لينير فقد وضعته على الجهة الخطا", وغيرها من التوجيهات التي تحتاج الى انصات وتركيز والذان كنت افقدهما وينقصان لدي في احياناً كثيرة مما كان يستلزم بعض النهر والتوبيخ من ابي واصدقائه.

كنت احاول اتهرب من تلك المساعدة بادعاء المرض احيانا و الواجبات المدرسية احيانا اخري الا ان تلك الحيل كانت قل ماتنجح خاصتا في العطلة الصيفية فيفوتني اللعب في الحي مع الاولاد. كنت احلم كثيرا ويطيش خيالي بعيدا الامر الذي يفقدني التركيز ولا اجد الاشياء التي يطلبونها مني بالرغم من وجودها امام عيني مباشرة فكان هذا الامر يزعج ابي الذي كان يريدني ان اكون حاضر الذهن سريع البديهة لذا كان يطلب ابي مني ان اكون حاضراً دائماً  لتقديم المساعدة الامر الذي لا يستوعبة طفل في تلك السن ففي حينها كنت اعتبر تلك المساعدةً  كابوس مزعج وعبأ ثقيل. الا انني وبعد مرور عشرات السنين فهمت المغزى من كل ذلك واشعر اليوم اني قد تعلمت واستفدت الكثير من كل ذلك والتي من اهمها الاعتماد على النفس وعدم سؤال الاخرين الا ماندر.
الان وبعد كل تلك السنوات عرفت ان ذلك كان مفيدا حقاً فها اناذا امتلك صندوق مخصص كذاك الذي كان يملكه ابي يحتوي على كل مايلزم من ادوات استخدمُها في في عمليات الاصلاح والصيانة المختلفة. فاقوم مثلا بتجميع الاثاث وتركيبه او اصلاح اي الة كهربائية او منزلية بل واصبح الامر لدي من الامور الممتعة ومن هواياتي المفضلة.
كان زمانا جميلا وكانت الحياة لها مذاقها على الرغم من بساطتها وصعوبتها احيانا. 
كان الناس لاتزال تقيم وزناً للقيم والعلاقات الاجتماعية وصلة الرحم التي لربما فقدت بشكل كبير او على الاقل بهت لونها في عصرنا هذا, عصر الانترنت والاتصالات, فلم يكن التلفاز قد ولج الى كل بيت ولاتملكه كل اسرة والتي كانت بدايته, اي التلفاز, بداية خجولة وتاثيره نوعا ما ايجابي اذ كانت الاسرة تجتمع عليه لمشاهدة بعض البرامج البسيطة والتي في الغالب لم تكن موجهه.
الا ان الامر سرعان مااختلف بعد ذلك عندما دخل جهاز الفيديو البيت مما ادى الى قلب الموازين وساهم في انتشار ثقافة الافلام الامريكية والمصرية والتي بدأت في تاثيرها السلبي على المجتمع مع مرور الوقت ووصل اهميتها للدرجة التي جعلت الناس يتبادلون تلك الافلام بينهم. بعد فترة وجيزة دخل جسم دخيل اخر على مجتمعنا وكان الاخطر على الاطلاق, انه جهاز استقبار الاقمار الاصطناعية او مايسمىبالساتالايتوالذي رخص سعره تدريجياً ليدخل كل بيت ويكون جليس كل افراد الاسرة كبيرها وصغيرها نساءها ورجالها ولم يعد احد يستطيع الفكاك من سلطانه واسره فلايكاد يُتصور ان يخلو بيت من وجوده فأصبح....يتبع

البوليس في بيتنا

البوليس في بيتنا

اليوم هو الثاني من ايام شهر رمضان المبارك. دخلت بعد العصر لانام قليلا لشعوري بصداع شديد وتراخي في الجسم بعد يوم طويل ممل. مضت فترة ليست بالقيصيرة بدأ النوم بعدها يسري في اعضاء جسمي وما ان وصل الى عيناي وبدئتا في التراخي حتى دخلت على ابنتي وفاء مذعورة دافعتا الباب بقوة جعلتني اقفز من السرير مفزوعا من  صوتها الذي طن في اُذناي وكانه آت من وادٍ سحيق اوعالم اخر مضلم. كانت تصيح بأعلى صوتها مرددتاً "بابا..بابا..البوليس في الخارج يردونك..بسرعة بسرعة".
قفزت فزعاً من سرير غرفة النوم والتي اغلقتُ جميع نوافذها وجعلتها حالكة الظلام  الامر الذي جعلني لا ارى امامي وكاد يرتطم وجهي بالباب الذي فتحته وفاء بشكل غير كامل. خرجت مهرولاً بملابس النوم لارى ما الخطب حيث وجدت ابنائي وامهم يتجمعون حول الباب وينظرون من شق صغير صنع نتيجة فتح الباب بشكل غير كامل. نظرت الى زوجتي فاتحتا عيناها وبدا على وجهها الذعر وقالت متسائله "مالذي حدث؟ ماذا هناك؟"  قلت لها بلسان متثاقل بالكاد يُجمع الحروف ليخرجها كلمات "لا ادري، سنرى ماذا هناك". اكملت فتح الباب لارى امامي شرطيان  يرتديان زيهما الرسمي بكل اناقة و بكامل عتادهما (لاسلكي على الصدر، هراوة صغيرة على الخصر الايسر، مسدس على الخصر الايمن). كان احدهما في العقد الثالث من عمرة  طويل القامة رياضي الجسم بدا متأهباً وقد رفع صدرة ليبدوا اكثر قوة وفتوة وقد وضع يده اليمنى على المسدس المعلق على خسره الايمن ومسك بيده اليسرى باب المنزل وكأنه كان يتوقع غلقة في وجهه. اما الاخر فكان اكبر سناً ويبدوا انه الاعلى رتبه وهو الذي بدأ زمام المبادرة بالكلام قائلا "هل انت السيد فلان؟" قلت له وقد وضعت احدى يدي على جبهتي وحركتها لاسفل لامسح بها على عيني اليمنى وكأني اردت زيادة نسبة التركيز في ذهني لمحاولة فهم مايدور حولي "نعم انا هو! تفضل ما الخطب" قلت انا له.
رد قائلاً وقد نظر الى قصاصة ورق بيده  قد مزقت بشكل غيرمنتظم من كراس ماعلى مكتبة بعد ان كتب عليها البيانات اللازمة والتى على مايبدوا قد امليت عليه بالهاتف. "هل تملك سيارة من النوع الفلاني؟" سأل الظابط. للوهلة الاولى ظننت انهم جائوا للقبض علي لشكهم انني احد اعظاء جماعة الدولة الاسلامية فقلت بيني وبين نفسي لعل احد يريد ان ينتقم مني فأبلغ السلطات السويسرية بأني انتمى الى ذلك التنظيم المرعب!, او لعلى ارتكبت جرما اليوم ولم انتبه لذلك وبما انهم بدئوا بالسؤال عن امتلاكي للسيارة فلابد ان اكون قد دهست احدهم اليوم في غفلة!
قلت له بعد برهة من التفكير"نعم املك تلك السيارة، لاكن ماذا حدث؟" رد قائلا "ارني  سأريك وسأريك ماذا فعلت" وكان كلامة ونظراته شزراً بحيث انعقد لساني واحجم من طرح مزيد من الاسئلة. سرقت النظرالى رفيقة الاخر فكانت نظراته هو الاخر يتطاير منها الشرر فلم انطق ببنت شفة. استاذنتهما في السماح باستبدال ملابس النوم بملابس اخرى فوافقا على مضض واذنا لي بذلك وعيناهما يملائهما الشك والريبة.
خرجنا الى حيث سيارتي ووقفت ان والاصغر منهما بجانبي وقد اخذ وضع الاستعداد والتأهب لمنعي من ارتكاب اي حماقة او هجوم مباغت او لمنعي من اغتنام اول فرصة لسحب المسدس من احدهما والتصويب عليهما او على الاقل لمنعي من اطلاق لرجلاي العنان والهرب منهما. اخذ الاخر يطوف حول السيارة باحثاً عن شئ ما على هيكلها الخارجي. قلت في نفسي متسائلا "برب السماء مالذي يمكن ان يكون قد علق بسيارتي ويبحث عنه هذا الرجل؟ هل من الممكن ان يكون احد اعضاء الشخص الذي دهسته لاتزال عالقة بسيارتي؟". لا اخفي قولا انني بدأت اتخيل واتصور ذلك الشرطي وقد سحب رجل امراه او ذراع رجل من اسفل السيارة وبدأ يلوح بها في وجهي قائلا " ارأيت ماذا فعلت اليوم؟ لقد مزقت اليوم شخصا اربا بسيارتك"، او قد مرر اصبعة السبابة على سطح السيارة السفلي ثم رفعه للاعلى واصبعة يقطر دما وهو يقول لرفيقة "ارأيت الدم لايزال ساخن على السيارة". الا انه ايقضني من خيالي الكابوسي المرعب ذلك متسائلاً: "اين كنت اليوم بسيارتك؟ هل ذهبت بها الى داخل المدينة اليوم؟" قلت مجيبا "نعم لقد ذهبت اليوم الى صلاة الجمعة بالسيارة, لاكن ماالذي حدث؟" سألت وقد جف حلقى وبالكاد استطعت ان اكمل سؤالي. ابتعد قليلا وبدا يتحسس بيدة بعض الختوش اسفل خلفية السيارة وردد قائلا " هل شعرت بشئ ما هناك؟" قلت "لا لم اشعر بشئ" 
قام الرجل بالاتصال بالشرطة المركزية التي طلبت منه الحضور الي واخطرهم بما وجد وحدث وسألهم عن الخطب.
فقال لي انهم اخبروه ان احدهم قد جاء الى الشرطة مشتكيا انك ختشت سيارته وانت تحاول ان تصف سيارتك في المكان المخصص وكان ذلك المكان ضيق ولا يسع للسيارة فلمست خلفية سيارتك مقدمة سيارتة الفارهة ذات الطلاء الخاص والغالي الثمن"
ما ان سمعت ذلك حتى تنفست الصعداء واخرجت زفرة وقلت في نفسي:
"لابارك الله فيكم ولا حياكم ولابياكم, اكل هذا من اجل ان سيارتي لمست سيارة ذلك اللعين ولعلها لم تحدث بها الا ختش مثل ثقب الابرة."
ويبدا لي ان الرجل لم يكم يعي مالخطب هو ايضا فقد تغيرت تعاليم وحهه وارتخت اعصابة بدوره. واكاد اجزم ان الرجل كان ينفذ الاوامر الصادرة له بدون وعي, لان طريقتهم كانت تنم عن سوء ظن كعادة المخبرين والمحققين.
اخذ مني رقم الهاتف وقال لابد من ان نجري اختبار نسبة الكحول فقلت "اني لا اشرب الكحول اضافة اننا في شهررمضان واني صائم!" قال "هذا اجراء روتيتي لابد من عمله". بعد ان نفخت في ذلك الجهاز الصغير وكانت النتيجة صفر في المئة قام بتسجيل القيمة وقال يستصل بك احدهم لمواصلة الموضوع وتركني مصافحا ومتمنياً مسائا جميلاً.

العبرة المستخلصة من هذه القصة القصيرة ان العدل اساس الملك وان ازدهار الدول وتطور الامم مرهون بحفظ الحقوق واداء الواجبات ورفع الظلم عن الناس. فصاحب السيارة وان كان امرة وحقة بسيط ولا يكاد يذكر البته, الا ان الشرطة كانت في خدمته وعملت على جلب حقة وان قل.
اما بالنسبة لي فلايشكل الامر شئ ذو قيمة فشركة التأمين ستقوم بدفع القيمة مهما كانت صغيرة او كبيرة الا ان الرعب الذي عشته للحظات اخذ وقتا طويلا الى ان زال.